الأربعاء، 11 يونيو 2008

الأخلاق في العهد القديم

وأحياناً يُشعر كُتّاب الأسفار قراءهم بأن لديهم مصدراً موثوقاً فيما يسردونه من معلومات تاريخية، فهم لا يلقون الكلام على عواهنه، كما صنع كاتب سفر الملوك، وهو يتحدث عن قتل الملك ياهو لإيزابل وقد جاءت تطلب منه الأمان، فما كان منه إلا أن "رفع وجهه نحو الكوّة وقال: من معي؟من؟ فأشرف عليه اثنان أو ثلاثة من الخصيان" (الملوك (2) 9/32)، فالكاتب المجهول لسفر الملوك الذي أُلهم كتابة القصة متشكك في عدد الخصيان الذين أجابوا الملك، ولفرط أمانته ذكر تحيره وتشككه في عددهم، فهم إما "اثنان أو ثلاثة"، أراد أن يثبت للقارئ نزاهته وأمانته ودقته، وأن يبرهن له أيضاً أنه يكتب بحسب معلوماته ومصادره؛ لا بوحي الله الذي لا تغيب عنه غائبة.
قصور الأسفار في القضايا الدينية
ويبحث الباحثون عن ذكر يوم القيامة والجنة والنار والبعث والنشور في أسفار التوراة الخمسة فلا يجدون نصاً صريحاً واحداً، وأقرب نص في الدلالة على يوم القيامة ما جاء في سفر التثنية "أليس ذلك مكنوزاً عندي مختوماً عليه في خزائني، لي النقمة والجزاء في وقت تزل أقدامهم " (التثنية 32/34 - 35 )، وهو - كما ترى - محتمل الدلالة، غير مصرح بها، ولو أمعنت فيما قبله وبعده لرأيت أنه يتحدث عن يوم أرضي يعاقبهم الله فيه.
كما لا تجد في التوراة - على ما فيها من إطناب في أمور لا أهمية لها- وصفاً لكيفية الصلاة يأمر به الرب، كما لا يرد فيها اسمه الأعظم إلا نادراً، " فيعرفون أن اسمي : يهوه " ( إرميا 16/21)، فالكتاب يذكر الله باسم: السيد، الرب، الإله. ويغفل اسمه الأعظم!
وفي المقابل فإن قارئ الأسفار يروق لتلك الإحالات التي نجدها خلال الأسفار إلى مواضع أخرى من الكتاب، ويعجب لتلك التي تحيل فيها كلمة الله إلى مواضع خارج كلمة الله، أي أنها من كلام البشر، وقد أراد من خلالها المؤلف أن لا يعيد سرد معلومات سبق له أن قرأها في سفر آخر من أسفار الكتاب أو بعض الكتابات التاريخية أو بالأصح الضائعة من الأسفار المقدسة.
ولكن العجب في هذه الإحالات حين تكون متقابلة ، أي حين يحيل كل من السفرين إلى الآخر بالتبادل، ويتساءل المرء من غير أن يجد جواباً: أي السفرين كتب أولاً، ومن الذي كتبهما، ولا أجد من جواب إلا أن أحيل إلى جهل البشر وتلاعبهم بالنصوص.
ومن أمثلة ذلك تلك الإحالات المتكررة، والتي تبادلها كاتبا سفري الملوك والأخبار (الأيام) في عدد من المواضع، منها إحالة سفر الملوك إلى سفر الأيام" وبقية أمور أمصيا، أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا" (الملوك (2) 14/18)، مما يدل على أن سفر الأيام قد كتب قبلُ.
لكن كاتب سفر الأيام ، وبتواضع جمّ يحيل قارئه إلى سفر الملوك "وبقية أمور أمصيا الأولى والأخيرة، أما هي مكتوبة في سفر ملوك يهوذا وإسرائيل" (الأيام (2) 25/26)، فأي السفرين كتب أولاً؟
وقد تكرر هذا التداول بينهما مراراً ، فكلا من الكاتِبَين يصر على أن الآخر قد كتب أولاً، وأنه ترك بعض التفصيلات التي قرأها عند الآخر [انظر حديث السفرين عن الملك يوثام (الملوك (2) 15/36) و(الأيام (2) 27/7)، وتأمل ثانية في إحالتهما المتبادلة عن أخبار الملك يهوياقيم (الأيام (2) 36/8) و(الملوك (2) 24/5)].

مبالغات وأخبار خرافية
وليس أغرب منها ما صنعه بباب مدينة غزة، حيث " قيل للغزّيين: قد أتى شمشون إلى هنا، فأحاطوا به، وكمنوا له الليل كله عند باب المدينة، فهدؤوا الليل كله قائلين: عند ضوء الصباح نقتله، فاضطجع شمشون إلى نصف الليل، ثم قام في نصف الليل، وأخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين، وقلعهما مع العارضة، ووضعها على كتفيه، وصعد بها إلى رأس الجبل الذي مقابل حبرون" (القضاة 16/2-4)، إلى غير ذلك من أخبار شمشون الجبار وشعره العجيب. (انظر القضاة 14-16).
وكما يبالغ البشر في عرض بطولاتهم ؛ فإن لتوراة تصنعه وهي تتحدث عن بني إسرائيل وأعدادهم وبطولاتهم، ومن ذلك قصة البطل أبيشاي ، فقد "هزّ رمحه على ثلاث مائة قتلهم" (صموئيل (2) 23/18).
ومثله البطل يشبعام، فقد قتل ثلاثمائة دفعة واحدة، وبهزة رمح واحدة " يشبعام بن حكموني رئيس الثوالث، هو هزّ رمحه على ثلاث مائة، قتلهم دفعة واحدة " ( الأيام (1) 11/11).
وفي سفر صموئيل يسمى البطل يشبعام بيوشيبا، ويزيد عدد القتلى - بهزة رمحه - خمسمائة مقاتل، فقد " هز رمحه على ثمانمائة، قتلهم دفعة واحدة " (صموئيل (2) 23/8 )، فكم كان طول هذا الرمح؟ وكيف تم هذا ؟!!
وأما شمجر بن عناة فقد قتل من الفلسطينيين ستمائة رجل من غير سلاح، لقد قتلهم بمنساس البقر " وكان بعده شمجر بن عناة، فضرب من الفلسطينيين ست مائة رجل بمنساس البقر " (القضاة 3/31). كيف يحصل هذا ؟ كيف لم يهربوا ؟ هل انتظر كل منهم دوره ؟!!
ومثله المبالغة في عرض كل ما يتعلق ببني إسرائيل " كان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرّ سميذ، وستين كرّ دقيق، وعشر ثيران مسمنة، وعشرين ثوراً من المراعي، ومائة خروف عدا الأيائل واليمامير والأوز المسمن " ( الملوك (1) 4/22 - 23).
ومن المبالغة المضحكة أن الأرض انشقت لقوة صوت غناء بني إسرائيل وفرحهم "وصعد جميع الشعب وراءه، وكان الشعب يضربون بالناي، ويفرحون فرحاً عظيماً، حتى انشقت الأرض من أصواتهم" (الملوك (1) 1/40)، نحوه كثير....
ولا تنقضي عجائب بني إسرائيل ولا فرائدهم، والتي من بينها أبشالوم بن داود، والذي كان في غاية الحسن، وأما شعر رأسه فكان " كان يحلقه في آخر كل سنة، لأنه كان يثقل عليه، فيحلقه، كان يزن شعر رأسه مئتي شاقل بوزن الملك" (صموئيل (2) 14/26)، وهو ما يعادل كيلوين وربع! فهل يعقل مثل هذا؟! أين رأت الدنيا أو سمعت بمثله؟
لكن هذا كله لن يمنعنا من الإقرار أن كاتب أسفار التوراة يمتاز - ككثيرٍ من المؤلفين - باللباقة والاحترام، فيعتذر لقرائه عن تقصيره في الكتابة، وذلك في آخر كتابه ، فيقول في خاتمة سفر المكابيين الثاني (آخر أسفار التوراة الكاثوليكية) : " إن كنت قد أحسنت التأليف ، وأصبت الغرض ، فذلك ما كنت أتمنى ، وإن كان قد لحقني الوهن والتقصير فإني قد بذلت وسعي ، ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضر ، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتعقب لذة وطرباً ، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف " ( المكابيون (2) 15/39 - 40 ).
ولعل مراده الاعتذار عن بعض ما تقدم ذكره، وعن بعض العبارات الركيكة التي صدرت عن مجموعة مؤلفي هذا الكتاب والتي حار المحققون في فهم المراد منها، ومن ذلك قولهم على لسان دانيال النبي: " كنت نائحاً ثلاثة أسابيع أيام! " ( دانيال 10/2 )، فكلمة (أيام) لا معنى لها.
وقد تكرر ذكر هذه الكلمة بلا فائدة ولا معنى في سفر الملوك، وفيه: "شلّوم بن يابيش ملك في السنة التاسعة والثلاثين لعزّيا ملك يهوذا، وملك شهر أيام في السامرة" (الملوك (2) 15/3).

ومثله في الركاكة ما نسبوه إلى النبي حزقيال " فذهبتُ مراً في حرارة روحي " ( حزقيال 3/14).
ومثله ما جاء في سفر إشعيا النبي، وجزم المفسر آدم كلارك أن به سقطاً وتحريفاً، "الذين يذكرونك في طرقك، ها أنت سخطت إذ أخطانا، هي إلى الأبد فنخلص " ( إشعيا 64/5 )، وغيرها من مبهمات الكتاب.



المسانل المسكتات المسالة الأولى من المسكتات

 المسانل المسكتات المسالة الأولى من المسكتات وأول المسائل المسكتات أنا نسأل النصارى عن هذ ا التوحيد ) 1 ( الذي شرحته والإيمان الذي وصفته ، ه...